بسم الله الرحمن الرحيم.
أحكام صلاة العيد وآدابه.
مقالة الدكتور متولى. البراجيلى بمجلة التوحيد عن شهر شوال ١٤٤٤هجرية.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبى بعده ، وبعد :هذه بعض أحكام صلاة العيد وآدابه، عسى الله أن ينفع بها بإذن الله.
أولا:حكم صلاة العيد : اختلفت اقوال العلماء فى حكم صلاة العيد، بعد إجماع الأمة على مشروعيتها إلى ثلاثة أقوال : ١- القول الأول: أن صلاة العيد سنة مؤكدة ، وهذا مذهب مالك والشافعى .
ومن أدلتهم: أ. حديث طلحة بن عبيد الله رضى الله عنه ، وفيه ……. فإذا هو يسأل عن الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خمس صلوات فى اليوم والليلة ، فقال : هل علىّ غيرها ؟ قال : لا إلا أن تطوع ….. ( البخارى ومسلم وغيرها ) .
ب- أنه لم يشرع لها آذان .
٢-القول الثاني : أن صلاة العيد فرض كفاية ( إذا صلاها البعض سقط الإثم عن الباقين ) .
ومن أدلتهم : أ- ليس لها آذان ، فلم تجب على الأعيان مثل صلاة الجنازة .
ب-أن الإستماع إلى الخطبة فيها ليس بواجب ، كخطبة الجمعة .
٣- القول الثالث:صلاة العيد واجبة على الأعيان : وهذا مذهب أبى حنيفة ورواية عن أحمد وقول للشافعى وبعض المالكية واختيار ابن تيمية وابن القيم والشوكاني ،ومن أدلتهم :
أ-قول الله تعالى ( فصل لربك وانحر ) ( الكوثر : ٢) ، والأصل فى الأمر أن يكون للوجوب .
ب- أن النبى صلى الله عليه وسلم داوم عليها ولم يتركها فى عيد من الأعياد ، وكذلك الخلفاء الأربعة وسائر المسلمين .
ج-أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بخروج جميع الناس إليها ، كما بحديث أم عطية رضى الله عنها: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ليخرج العواتق وذوات الخدور والحيّض فيشهدن الخير ودعوة المؤمنين ، وليعتزل الحيّض المصلى ( البخارى ومسلم وغيرهما) . (العواتق: جمع عاتق وهى الأنثى أول ما تبلغ ، والتى لم تتزوج بعد .
الخدور : جمع خدر ، وهو فى ناحية من البيت يترك عليها ستر ، تكون فيه الجارية البكر )
د- أنها إذا اجتمعت مع صلاة الجمعة صارت صلاة الجمعة غير واجبة ، وما ليس بواجب لايسقط ماكان واجبا.
فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس - أى العيد -ثم قال : قد اجتمع فى يومكم هذا عيدان ، فمن شاء أن يأتى الجمعة فليأتها ، ومن شاء أن يتخلف فليتخلف ، وفى رواية فمن شاء أجزأه عن الجمعة ، وإنّا مجمعون إن شاء الله ( سنن أبى داوود وغيره ) ( انظر المجموع ٥/٥ ، معالم السنن ١/ ١٢٢، التمهيد ٢٣/ ١٩٢ ، فتح البارى لابن رجب ٨/ ٤٢٣- ٤٢٥ ، فتح البارى لابن حجر ١/ ١٠٧ ، ٢/ ٤٧٠ ، شرح النووى على مسلم ١/ ١٦٩ ، حلية العلماء للشاشى ٢/ ٢٥٣)
ولاشك ان أدلة كل فريق تحتاج إلى بحث - والأمر سيطول -. لكن أرى والله أعلم : أولا : أن التقسيم إلى واجب ومستحب ، هذا حدث بعد عصر النبى صلى الله عليه وسلم ، إنما الصحابة رضى الله عنهم كانوا يفعلون ما يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكيف والنبى صلى الله عليه وسلم لم يترك صلاة العيد وداوم عليها ،
ثم حث جميع الناس كبيرهم وصغيرهم ونساءهم، حتى أصحاب الأعذار منهن أن يخرج الجميع إلى مصلى العيد ، ألا يكون هذا مدعاة لتوكيد صلاة العيد ، وأنها شعيرة من شعائر الإسلام .
يقول السرخسى عن صلاة العيد ، ولكنها من معالم الدين ، أخذها هدى وتركها ضلالة ( انظر المبسوط للسرخسى ٢/ ٣٧) .
ثانيا : كيفية صلاة العيد : صلاة العيد ، ركعتان جهرا ، فى الركعة الأولى يكبر تكبيرة الإحرام ، ثم يكبر بعدها سبع تكبيرات قبل القراءة ، وصح عن ابن عمر رضى الله عنهما مع تحريه للسنة أنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة ( انظر زاد المعاد ١/ ٤٢٧) .
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول شيئا بين هذه التكبيرات، لكن ورد عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه، قال : بين كل تكبيرتين حمد الله عزوجل وثناء على الله ( سنن البيهقى ٦/ ٥٦٤)
ويقرأ في الركعة الأولى الفاتحة ثم يقرأ سبح اسم ربك الأعلى ، أو ق، والقرآن المجيد ، فقد ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يركع ويسجد ، ويقوم للركعة الثانية ويكبر خمس تكبيرات بعد تكبيرة الانتقال ثم يقرأ الفاتحة ، والغاشية أو اقتربت الساعة وانشق القمر، ثم يكمل الصلاة على كيفيتها المعتادة .
عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر فى الفطر والأضحى فى الأولى سبع تكبيرات ، وفى الثانية خمسا سوى تكبيرتى الركوع ( سنن أبى داوود وغيره ) .
ويخطب بعدها الإمام خطبة واحدة فهذا هو الراجح ، والمسألة فيها خلاف فقد ذهب فريق من أهل العلم أنها خطبتان كخطبة الجمعة .
والخطبةتكون بعد الصلاة
ففى حديث ابن عمر رضى الله عنهما : أن النبى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر ، كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة ( متفق عليه )
وهى كسائر الخطب تفتتح بالحمد والثناء على الله تعالى فلم يصح حديث فى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يفتتحها بالتكبير . وصلاة العيد ليس لها آذان ولاإقامة ولانداء الصلاة جامعة، وليس للعيد سنة قبل صلاته أو بعدها ، وليس للمصلى تحية مسجد ، وإن جوز بعض أهل العلم صلاة تحية المسجد ، وإن كانت ستصلى فى المسجد صلى تحية المسجد .
ودعاء الاستفتاح
يكون بعد تكبيرة الإحرام كسائر الصلوات ، وهذا عند الحنفية والشافعية والمقدم عند الحنابلة .
وفى رواية أخرى عن أحمد أنه يستفتح بعد التكبيرات السبع وليس بعد تكبيرة الإحرام ( انظر الموسوعة الفقهية الكويتية ٤/ ٥٥) .
ثالثا : هل تقضى صلاة العيد لمن فاتته ؟
اختلف أهل العلم فى ذلك ، فمنهم من قال أنها لاتقضى ومنهم من قال تقضى
ومن قال أنها لاتقضى قال أنها مثل صلاة الجمعة شرعت على وجه الاجتماع فلا تقضى إذا فاتت كصلاة الجمعة (لكن من فاتته الجمعة قضاها ظهرا لأنها فريضة ) وإلى ذلك ذهب الحنفية والمالكية ، وأما الشافعية فقد أطلقوا القول بمشروعية قضائها - فى أى وقت شاء - وكيفما كان منفردا أو جماعة ….
وأما الحنابلة فقالوا : لاتقضى صلاة العيد ، فإن أحب قضاءها فهو مخير إن شاء صلاها أربعا إما بسلام واحد وإما بسلامين ، ومن ذهب إلى قضائها أربع ركعات للأثر الورد عن ابن مسعود رضى الله عنه فى ذلك ، لكنه لم يصح ( انظر إرواء الغليل ٣/ ١٢١ )
والقول بأن يقضيها على صفتها - لكن بدون خطبة ، أراه أولى الأقوال ، وقد بوب البخارى فى صحيحه : باب إذا فاتته صلاة العيد يصلى ركعتين - وذكر بعض الآثار فى ذلك ، منهم أثر أنس بن مالك رضي الله عنه :
أنه إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام ، جمع أهله ومواليه فيصلى بهم ركعتين ، يكبر فيهما ( السنن الكبرى للبيهقى ٦/ ٥٩٣ ، وأخرجه ابن حجر فى تغليق التعليق ) . (انظر الاستذكار ٢ / ٣٩٨،المجموع ٥ /٤،شرح صحيح البخارى لابن بطال ٥٧٣-٥٧٤ /٢،فتح الباري لابن رجب ٧٧-٧٩ /٩)
رابعا : خروج النساء إلى صلاة العيد :
عن حفصة بنت سيرين قالت : كنا نمنع عواتقنا وجوارينا أن يخرجن فى الفطر والأضحى ، فلما قدمت أم عطية الأنصارية رضى الله عنها سألتها : أسمعت النبى صلى الله عليه وسلم فى كذا وكذا ، قالت : نعم ...، سمعته يقول ليخرج العواتق وذوات الخدور والحيّض ، فيشهدن الخير ودعوة المؤمنين وليعتزل الحيّض المصلّى ، فقالت امرأة يارسول الله ، هل على إحدانا بأس إن لم يكن لها جلباب أن لاتخرج ؟ فقال : فلتعرها أختها من جلابيبها
ولتشهد الخير ودعوة المؤمنين ….( البخارى ومسلم وغيرهما ) . وكذلك يخرج الأطفال ، كما بحديث ابن عباس رضى الله عنهما لما سئل أشهدت العيد مع النبى صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، ولولا مكانى من الصغر ماشهدته ( البخارى وغيره )
ففى الحديثين - كمالايخفى- الحث على خروج الجميع صغارا وكبارا نساءا ورجالا إلى صلاة العيد .
خامسا :
بداية التكبير فى عيد الفطر :
اختلف أهل العلم فى ذلك فمنهم من قال : إن التكبير يبدأ من غروب شمس آخر ليلة من رمضان - ليلة العيد - محتجين بقول الله تعالى : (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ماهداكم ولعلكم تشكرون )( البقرة : ١٨٥)
وذهب إلى ذلك ابن عباس والشافعى وابن قدامة وفريق من أهل العلم ( انظر المجموع ٥/ ٤٨)
قال زيد بن أسلم : التكبير إذا رأى الهلال.
وقال ابن قدامة : ويظهرون التكبير فى ليالى العيد وهو فى الفطر آكد ثم ذكر الآية ….. وقال : يستحب للناس إظهار التكبير فى ليلة العيد .
قال ابن عباس رضى الله عنهما : حق على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوال أن يكبروا الله حتى يفرغوا من عيدهم ( انظر المجموع ٥. /٣٠ ، ٥/ ٤١ ، المغنى ٢/ ٢٧٣)
وقال مالك وفريق من أهل العلم أن التكبير يبدأ من الغدو إلى الصلاة. قلت : والمسألة فيها سعة .
صيغة التكبير : لم يصح -فيما أعلم - عن النبى صلى الله عليه وسلم حديث مرفوع فى صيغة التكبير ، لكن ثبت عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه كان يقول : الله أكبر الله أكبر لاإله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ( أخرجه ابن أبى شيبة ١/ ٤٨٩) .
ونقل التكبير ثلاثاعن ابن عمر رضي الله عنهما: ( الله أكبر الله أكبر الله أكبر لاإله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ) ( انظر الإرواء تحت ح ٦٥٤)
التكبير الجماعى : منعه بعض أهل العلم وقالوا لم يثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم ، وجوزه بعض أهل العلم واستدلوا بآثار منها : أن ابن عمر رضى الله عنهما كان يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرا ( صحيح البخارى ) .
يقول الشافعى رحمه الله : فإذا رأوا هلال شوال أحببت أن يكبر الناس جماعة وفرادى فى المسجد والأسواق والطرق والمنازل ….. ( انظر الأم ١ / ٢٦٤ )
وذهب إلى ذلك بعض المالكية ، وكذلك كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق فى أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ( صححه الألبانى في الارواء ح٦٥١) .
وكذلك كن النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان ، وعمر بن عبدالعزيز ليالى التشريق مع الرجال فى المسجد ( صحيح البخارى ) .
سادسا :
صلاة العيد فى الساحات : هذا هو السنة ، ولأنها إظهار لشعيرة العيد واجتماع الناس وما فى ذلك من بهجة غير معتادة طوال العام، مع جواز صلاتها فى المسجد ، إن كان هناك ضرر سيقع من التجمعات كالأوبئة ومثل ذلك ، أو المطر ، أو برد شديد وغير ذلك ، قال الله تعالى : ( وماجعل عليكم فى الدين من حرج ) .
من آداب العيد : ١- التهنئة بالعيد : يقول شيخ الإسلام : أما التهنئة يوم العيد بقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد صلاة العيد : تقبل الله منا ومنكم ، وأحال عليك ، ونحو ذلك ، فهذا قد روى عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه ، ورخص فيه الأئمة كأحمد وغيره ……. ونقل الحافظ ابن حجر بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنك ( فتح البارى ٢/ ٥١٧)
فأصل التهنئة بالعيد جائزة ، وليس لها تهنئة مخصوصة ، فما اعتاده الناس فهو جائز مثل كل عام وأنتم بخير ونحوها .
وذهب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إلى جواز المعانقة والمصافحة والتهنئة بالعيد ( انظر فتاوى ابن عثيمين ١٦/ ٢٠٨- ٢١٠) .
٢- غسل العيد : وهو مستحب لفعل ابن عمر رضى الله عنهما كما فى الموطأ وغيره ٢/ ٢٤٨) .
٣- التجمل بارتداء أحسن الثياب ، وقد بوب البخارى ( باب فى العيدين والتجمل فيهما) ، أورد تحته أثر ابن عمر رضى الله عنهما.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يلبس يوم العيد حلة حمراء ( الصحيحة ح ١٢٧٩)
٤- الأكل قبل الخروج إلى صلاة عيد الفطر :
عن أنس رضى الله عنه : كان رسول صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ( البخارى وغيره)
٥- رفع الصوت بالتكبير للرجال وللأطفال والخروج جماعة عند الذهاب إلى مصلى العيد : عن ابن عمر رضى الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج فى العيدين مع الفضل بن عباس وعبدالله بن عباس وعلي وجعفر والحسن والحسين رافعا صوته بالتكبير ( سنن البيهقى ٦/ ٥٣٧، وحسنه الألبانى في الإرواء )
٦- يستحب الذهاب ماشيا ( إن كان المصلى قريبا )ويبكر فى الذهاب للمصلى ، عن ابن عمر رضى الله عنهما : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى العيد ماشيا ويرجع ماشيا ( صحيح ابن ماجه ).
وأن يذهب من طريق ويعود من طريق آخر كما ثبت ذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم( كما بالبخارى ح ٩٨٦)
٧- صلة الأرحام والتزاور مع الأهل والجيران ، وإدخال السرور على أهل بيته .
٨-عدم تجديد الأحزان بالذهاب إلى المقابر ، فهذا يوم للفرح والسرور وليس لتجديد الأحزان
٩- عدم تبرج النساء عند خروجهن لصلاة العيد ، فتبرجهن حرام، فجلوسهن فى بيوتهن إذا كن سيتبرجن للصلاة لهو خير لهن
١٠-عدم الإختلاط بين النساء والرجال ، كما نرى فى بعض المصليات والشوارع وغيرهما .
تقبل الله منا ومنكم
والحمد لله رب العالمين