مقالة حول العنف
هل ينبغي الرد على العنف بالعنف ؟
- هل ينبغي مواجهة العنف بمثله أم بنقيضه ؟
- هل تقام العلاقات الإجتماعية على أساس العنف أم التسامح ؟
مرحبا طلاب وطالبات البكالوريا 2024 2025 يسرنا بزيارتكم أن نقدم منهجية تحليل نص فلسفي وكتابة مقالات الفلسفة للسنوات الأولى والثانية والثالثة باك جميع الشعب بمنهجية صحيحة ومن أهم هذه المقالات والنصوص الفلسفة نقدم لكم في موقع النابض دوت كوم إجابة السؤال الفلسفي القائل..هل ينبغي الرد على العنف بالعنف
هل ينبغي الرد على العنف بالعنف
. الجواب هو
-1- طرح المشكلة : تعتبر ظاهرة العنف مشكلة من أخطر مشكلات العصر نظرا لخطورتها على الإنسان فردا و مجتمعا، وما تمثله من خطورة على حياة الناس وتطور المجتمعات ، فمنذ أن قتل قابيل أخاه هابيل حسدا و مازالت هذه الظاهرة تنمو وتتطور إلى أن وصلت في زماننا هذا إلى أسلحة الدمار الشامل و الإرهاب الأعمى ، و يقصد بالعنف كل عمل يضغط به شخص على إرادة الغير لسبب أو لآخر ،بإستعمال القوة،و بمعنى آخر أن العنف هو إلحاق الأذى المادي أو المعنوي بالغير ويبلغ مداه في الرغبة في إلغاء الآخر وتدميره ، ويعني العنف أيضا مقابلة الشر بالشر أو ما يعرف تاريخيا منذ ظهور شريعة "حامو رابي" بالقصاص (العين بالعين والسن بالسن)، ومهما يكن تعريف العنف فإن الفلاسفة و المفكرين إختلفوا بشأن الموقف منه، ففي الوقت الذي يرى البعض منهم أنه لا بد أن نواجه العنف بعنف مثله ، يرى البعض الآخر منهم أن السلوك السليم هو مواجهة العنف بالتسامح فأي الموقفين على صواب ؟ وهل الحكمة تقتضي مقابلة العنف بمثله أم بنقيضه ؟ وبصيغة أخرى : هل العلاقات الإجتماعية أساسها العنف أم التسامح ؟
-2- محاولة حل المشكلة :
-أ- الأطروحة : يجب مواجهة العنف بمثله
يذهب فريق من الفلاسفة والمفكرين أنه يجب مواجهة العنف بالعنف لأن الحكمة تقتضي الدفاع عن النفس و رد الإعتبار للذات، وفق قاعدة "القصاص" المنصوص عليها في الشرائع السماوية و البشرية ، أي مقابلة الشر بالشر، العين بالعين ، السن بالسن . يقول هوبز:( الإنسان ذئب لأخيه الإنسان )،أي أن الإنسان شرير بطبعه لهذا يجب ردعه بإستعمال القوة وإلا سوف يتمادى في سلوكه.
الحجج و البراهين : حجتهم في ذلك أن العنف أصل حركة العالم وبنائه و قصد عدواني لإثبات الذات ومصدر التسلط وأداة شرعية أخلاقيا ودينيا لإسترجاع الحقوق المغتصبة.فمن حق كل طرف تعرض للعنف أن يقابله بالعنف لإسترداد الحقوق و الدفاع عن الكرامة، فقد يجد الإنسان نفسه في أوضاع سياسية أو إجتماعية أو نفسية تدفعه إلى إنتهاج السلوك العنيف كأسلوب شرعي ميرر، فالعنف السياسي مثلا نجده في الإحتلال العسكري لأراضي الغير و نهب ممتلكاتهم ،وطمس هويتهم الوطنية ، والعنف المشروع هنا هو الثورة على المستعمر لأن ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة ،و حركات التحررفي القرن العشرين خير مثال على ذلك،فطلب الحياة يقتضي مواجهة الموت، حيث يقول الفرنسي "جون جاك روسو": (ليس لنا فقط الحق ،بل من الواجب أن نثور إذا إقتضت الضرورة ذلك، لأن هناك نوعا من الأخلاقية يدعونا إلى حمل السلاح في أوقات ما )، وواضح أنه كان يلمح إلى ضرورة الإنتفاضة في وجه الإستبداد الموجود في أوربا في زمانه خاصة في فرنسا،لأنه كان من المفكرين الذين ساهموا بأفكارهم لقيام الثورة الفرنسية، فالعنف المقصود هنا هو العنف من أجل السلم ، يقول "ماوتسيتونغ":(نقوم بالحرب من أجل السلم لا الحرب من أجل الحرب، والعنف لا تبرره الغاية السامية فقط وإنما يبرره أيضا الدفاع عن النفس)، وأما العنف الإجتماعي فيتمثل في التهميش والفقر والحرمان والتمييز العنصري (العرقي) و إنعدام العدالة ، هذا الضغط الإجتماعي يولد العنف المشروع مثل ثورة السود التي إنطلقت من أطلنطا الأمريكية بزعامة الثائر: "مارتن لوثر كينغ" ضد التمييز العنصري و المطالبة بحق المساواة. ومن جهته يؤكد المحلل النفسي :"فرويد" أن العنف هو ميل عدواني طبيعي يعبر عن صراع العناصر المكونة للشخصية (الهو، الأنا الأعلى، الأنا) وهو أصل الإنسان و سلوكاته،فكل من الحسد و الغيرة المرضية ، فقدان الأمل و الحرمان تتحول إلى مكبوتات لدى الفرد لتعود في شكل سلوك عدواني ضد ما يعتبره المسؤول عن معاناته وقد يصل الأمر به إلى إسترخاص الحياة وإختيار الموت، ونفس الموقف نجده عند الألماني :"كارل ماركس" ومواطنه:" إنجلز" بأن العنف هو أصل بناء مجتمع جديد هو المجتمع الإشتراكي يهدف إلى تصحيح الواقع الرديء من اللامساواة الإجتماعية و التفاوت و إستغلال طبقات لطبقات أخرى ، وإعادة بنائه بصورة تتناسب أكثر مع قيم الخير والحق والعدل في الحياة. كما يؤكد الهولندي "سبينوزا" أن الأفراد هم في الظروف الطبيعية في حالة عداء ولهذا يعتبر العنف وسيلة لإسترجاع الحقوق و الدفاع عن الأفراد و المجتمعات.
مناقشة : لقد ركز أنصار هذه الأطروحة على أسباب العنف ومن ثم صوغوا له المبررات ،غير أن حقيقة العنف مهما كان الإجتهاد في تبريرها فإنه ليس من مميزات الإنسان العاقل ولا المجتمع المتحضر ، وإنما من مميزات الحيوان و المجتمعات المتخلفة و فوق هذا لا ينسجم مع الكرامة الإنسانية ورفعة القيم الأخلاقية .
نقيض الأطروحة : يجب مواجهة العنف بنقيضه (التسامح)
يذهب فريق ثان من الفلاسفة و المفكرين أنه يجب مواجهة العنف بالصفح و التسامح ،فالعلاقات الإنسانية أساسها التعاون والتراحم والتقارب والإعتماد على الحوار و المجادلة بالتي هيى أحسن ، وإرساء أسس لثقافة التسامح بدل ثقافة العنف، يقول " المهاتما غاندي":(اللاعنف هو قانون الجنس البشري كما أن العنف هو قانون البهيمة ).
الحجج و البراهين : حجتهم في ذلك أن إعتماد مبدأ العنف لدفع العنف هو تأسيس جديد للعنف ينتج عنه إدخال المجتمع في دوامة من الخوف و القلق و إنعدام الإستقرار، وتحطيم العلاقات الأسرية والإجتماعية وأن الآخر الذي يختلف معي في الأيديولوجية و العرق و السياسة ليس عدوا لي يجب إعدامه وتحطيمه، وإنما هو أنا آخر يجب التعامل معه بعيدا عن منطق رد الإساءة بإساءة مثلها، حيث يرى "فولتير" أن التسامح بدأ مع الدين وهو سنة من سنن الله ،وإذا كان الناس مختلفين فيما بينهم فإن التسامح يجب أن يكون اللغة التي يستعملها البشر للتواصل مع بعضهم البعض، فلقد أثبتت الدراسات أن الحيوانات لا تتصارع فيما بينها ولا يأكل بعضها بعضا،ولا تلجأ إلى العنف إلا لضرورة بيولوجية غريزة أو دفاعا عن النفس، فإذا كان هذا حال الحيوان مع العنف فكيف بالإنسان العاقل أن لا يسمو بنفسه عن رذيلة العنف التي تجعله أدنى من الحيوان، ونجد الفيلسوف الألماني "كانط" يدعو إلى السلام العالمي ونبذ الحرب ، لأنها لا تأتي إلا بالدمار ، وأن يعامل الإنسان كغاية في ذاته لا كوسيلة ، كما يؤكد الفيلسوف الفرنسي " جون جاك روسو" بأنه ليس بإمكان الإنسان المدني الإعتماد على القوة لأنها ليست من طبيعته بل من طبيعة الحيوان حيث يقول :(إن الإنتقال من الوضع الطبيعي إلى الوضع المدني يجعل الإنسان يستبدل الغريزة بالعدالة في سلوكه ويجعل أفعاله تكتسي الطابع الأخلاقي الذي كان ينقصها سابقا ).فالقضاء على العنف هو رسالة البشر الأساسية ، ونفس الموقف نجده عند الفرنسي "إريك فايل "بأن غاية الفلسفة هي القضاء على العنف ، لأن ذلك هو نقطة بدء الفلسفة و هدفها الأخير ،و الفيلسوف بدون النظام الإجتماعي لا يستطيع أن يتفلسف لأنه سيكون فريسة العنف ، وفي الإسلام يعتبر السلم غاية أخلاقية و إيمانية إذ يكفي أن كلمة إسلام تفيد السلام ، والمؤمن من سلم الناس من يده ولسانه أي من شره وبطشه، ولنا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته أرقى النماذج السلوكية لمقابلة الشر بالخير و التعامل بالرفق و اللين والتأليف بين القلوب بالحسنى و الإرتقاء بالإنسان إلى محبة أخيه الإنسان، قال صلى الله عليه وسلم:( إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه) ،وقال أيضا :(من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع وإن كان أخاه لأبيه وأمه )، كما قال الله عز وجل في كتابه العزيز:(و أن تعفو أقرب للتقوى، ولا تنسوا الفضل بينكم ).
-مناقشة: لكن التسامح قد يعتبره البعض ضعف مما ينجر عنه شيوع الإضطرابات و النزاعات داخل المجتمع ، ولهذا لابد من يردعهم بالعنف المشروع الذي يقصد منه تحقيق الأمن و الإستقرار داخل المجتمع ، لأن العلاقات بين الناس تحتاج إلى نوع من القوة والعنف لأجل الحفاظ على المجتمع من أصحاب النفوس الفاسدة .
- التركيب :من خلال طرحنا للموقفين المتعارضين يتضح لنا أنه يجب مقابلة العنف بالتسامح أو باللاعنف، وهذا لا يعني التخاذل و الهوان و الضعف ، و إنما يعبر عن وعي الذات للموقف و التكيف الإيجابي ، لأن الوضع السليم للإنسان هو أن يكون أداة بناء للحياة و ليس مهدم لها ، وأن الحوار لا الصراع و التفاهم لا التصادم و السلم لا الحرب هو الذي يحقق الحياة و ينميها ،فالتسامح يعني الإحترام و القبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا، ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا ،والإنفتاح و الإتصال و حرية الفكر و الضمير والمعتقد وأنه الوئام في سياق الإختلاف ، و الفضيلة التي تيسر قيام ثقافة السلام على ثقافة الحرب،كما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان :(إن التربية يجب أن تهدف إلى تنمية التفاهم و التسامح و الصداقة بين جميع الشعوب و الجماعات العنصرية أو الدينية ) .
-3- حل المشكلة : من كل مما سبق نستنتج أن العنف ظاهرة معقدة و من أخطر مشكلات العصر التي تهدد الأمن ، و الإستقرار و التعايش السلمي، لأنه أسلوب بدائي غير متحضر وجريمة إنسانية يعاقب عليها القانون ، إذا ما إستثنينا إسترداد الشعوب لحقوقها المهضومة إذا كانت الطرق السلمية لم تنفع كما فعلت الشعوب الواقعة تحت نيران الإستعمار، ومنه يجب إستبدال العنف باللاعنف ، وإعتماد منطق آخر للتعايش الإنساني يقوم على العفو و الصفح و التسامح ، مصداقا لقوله تعال : ( و لا تستوي الحسنة ولا السيئة ، إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم ) .