القراءة المنهجية: مقوماتها ومقاطعها
منهجية تعليم القراءة والنصوص
الإجابة هي كالتالي
القراءة المنهجية: مقوماتها ومقاطعها
أمام عقم المقاربات الديداكتيكية للفعل القرائي والقائمة على الارتجال والحدس أو الشرح والتفسير ، ووضع المتعلم في وضعية المتلقي السلبي بررزت " القراءة المنهجية" في الأدبيات الفرنسية عام 1987 بالتزامن مع التغيير الذي عرفته البرامج التعليمية هناك كممارسة قرائية تسعى إلى تجاوز هذا الوضع القرائي مستفيدة في ذلك من تطور العديد من الحقول المعرفية كاللسانيات والسيميائيات وعلم النفس المعرفي ونظرية الأدب ...
وهذا التعدد جعل منها مقاربة غنية ومرنة يمكن أن تنمي الكفاية القرائية للمتعلم وتفعل دوره باعتباره ذاتا تتفاعل مع المقروء معرفيا ووجدانيا ، وتساهم في إنتاج الدلالة وبناء المعنى . ورغم انفتاحها على كل هذه الحقول المعرفية فإنها حريصة على مبادئ منها :
- مبدأ التعدد القرائي .
- مبدأ التوفيق بين المقاربات .
- مبدأ الملاءمة بين النص والأدوات المنهجية .
وقد سمحت هذه المبادئ للقراءة المنهجية بالإنفتاح على اختيارات منهجية متنوعة تناسب طبيعة النصوص والوضعيات التعليمية - التعلمية .
ومن بين تعريفات هذه القراءة نذكر ما يلي :
- " هي نشاط ديداكتيكي، يستدعي بناء معنى النص، في سياق تواصلي، قائم على توظيف عمليات ذهنية حدسية، لوضع فرضيات قرائية، ولالتقاط العناصر النصية، ولخلق تعالق مبنين بين هذه المؤشرات، بغرض تمحيص الفرضيات المنطلق منها . ويأخذ هذا النشاط شكل تفاعل بين متلق يملك كفايات خاصة ( موسوعية ، لسانية، منطقية، تداولية) وموضوع اشتغال دال، يمثله الأثر المادي المكتوب( النص / الخطاب) " ( 1 )
- "هي قراءة معقلنة تحفز التلميذ على صياغة الفرضيات إبان الاحتكاك الأولي مع النص ، ثم تدعوه إلى تدقيقها وتوضيحها من خلال الاستعانة ببعض المؤشرات النصية ، أو إلى تصحيحها بهد اطلاعه على فرضيات زملائه أو أستاذه التي تستوفي ما هو مطلوب التوصل إليه بعد الفراغ من قراءة النص بتمامه ..
- ملاحظة دقيقة تكشف عن نوعية النص وتشكلاته السيميولوجية ، وتدفع المتعلم إلى اختيار واحدة من المقاربات العديدة التي تستجيب لطبيعة النص وخصوصيته .
- تأويل مبرهن يراهن على المواءمة بين الموقف الشخصي ، وبين دقة التحليل ، وعلى مقاربة النص بمفاهيم إجرائية مختلفة وبسبل استدلالية مختلفة " ( 2 )
ويورد بواسينو وموجنو ثلاثة معان للقراءة المنهجية :
1 – معنى عام : حيث ترفض القراءة المنهجية الانطباعية الساذجة ، وتقترح منهجيات وتقنيات للتحليل وإنتاج المعنى
2 – معنى أقل عمومية : يرى في القراءة المنهجية ممارسة مدرسية وجامعية هي بديل لتفسير النص حيث تقدم أدوات كتحليل نص قصير في حصة دراسية .
3 – معنى ضيق : يجعل القراءة المنهجية ترتبط باختيار منهجي شفوي لامتحان الباكلوريا مدته عشر دقائق .
انطلاقا من هذه التعريفات، يمكن القول إن القراءة المنهجية إطار جديد لتفسير النص الأدبي حلت محل الطريقة التفسيرية وأحدثت معها قطيعة ابستمولوجية على ثلاث مستويات :
- قطيعة بيداغوجية:تتمثل في تجاوز السلوكية مستفيدة من الثورة المعرفية والدراسات حول الجهاز العصبي واللسانيات وعلم النفس المعرفي والذكاء الاصطناعي .
- قطيعة ديداكتيكية : في المرحلة السابقة كان المعيار الذي يتحكم في اختيار المعرفة هو تاريخ الأدب وعلوم اللغة العربية المعيارية من نحو وبلاغة وعروض،أما في مرحلة القراءة المنهجية،فقد أصبح اختيار النصوص القرائية يتم اعتمادا على نتائج البحث اللساني الحديث ، ونظريات الأدب المختلفة .
- قطيعة تأويلية: حيث لم يعد ينظر للنص الأدبي على أنه وثيقة تنقل خبرا أو معرفة معينة وأن وظيفة القارئ هي استخلاص هذا الخبر أو المعرفة المعينة إنه شكل جمالي ،ودليل كبير بالمعنى اللساني، وعلى ا القارئ أن يبني المعنى الذي يتضمنه النص انطلاقا من التفاصيل الواردة فيه ومن تجربته الثقافية الخاصة التي تمكنه من إضافة دلالات معينة على هذه التفاصيل.
ولإبراز التباين والاختلاف بين القراءة المنهجية وطريقة شرح النصوص نقدم ما يلي :
طريقة شرح النصوص:
- تركز الجهد على تعرية المعنى الكامن في النص
باعتباره معنى قبليا سابقا على فعل القراءة .
- النص مكثفي بذاته بمجرد الانتهاء من كتابته وتأليفه .
- التركيز على تحليل النص في علاقته بكاتبه وبظروف انتاجه .
- فعل التحليل مرادف لشرح النص .
- القارئ مستهلك سلبي .
- فعل القراءة فعل خطي بامتياز- النص مجموعة أجزاء ومقاطع يجوز فصل بعضها عن بعض بشكل آلي .
- ترسيخ علاقة عمودية بين طرفي العملية وإهمال الاستعمال الوظيفي
طريقة القراءة المنهجية:
- دلالة النص تبنى بتدرج قائم على الملاحظة والافتراض والتحليل...
- القارئ فاعل ومستقل يمنح شهادة الوجود للنص من خلال تفاعله وانخراطه في فعل القراءة.
- النص كلية غير قابلة للتجزئ،فهو نسيج من المعاني والإشكال المتداخلة.
- نقل الاهتمام من البحث عن المعنى إلى المعنى إلى تمهيد المتعلم وإكسابه أدوات التحليل وتقنيات القراءة.
- القراء فعل دينامي مستمر
- وظيفة القراءة السعي إلى خدمة الإنتاج وتمثل بناءها.
- دمقرطة العلاقة بين المدرس والمتعلم على قاعدة التفاعل والتفاوض.
مقومات القراءة المنهجية :
يمكن تحديد مقومات القراءة المنهجية من خلال جرد المظاهر التحليلية التي ترفضها هذه القراءة وتلك التي تسعى إلى تحقيقها وهو ما يمكن تلخيصه في ما يلي:
المظاهر التي تطمح القراءة المنهجية إلى تحقيقها:
- الملاحظة الموضوعية والدقيقة للنص ومكوناته (النحو،الصرف،التركيب،المعجم،الدلالة،صيغ التعبير،البنيات السطحية والعميقة...)
- تحليل نظام الإشكال وإدراك مظاهر ديناميتها وتفاعلها في النص من حيث الائتلاف والاختلاف.
- الاستكشاف الحذر للمسكوت عليه في النص.
- البناء التدريجي لدلالة النص انطلاقا من فرضيات يتم تفحص صلاحيتها بعناية.
- استخلاص مظاهر الانسجام التي تضمن للنص وحدة أجزائه وترابط عناصره لاعتبارها النص كلية غير قابلة للتجزيء.
- الابتعاد عن الشكلية المغالية وتوخي الدقة في التحليل.
- تسعى إلى تشغيل القارئ لكل قدراته وتخويله أدوات التحليل.
المظاهر التحليلية التي ترفضها القراءة المنهجية:
- أنها ترفض المسارات الخطية في التحليل(الخطية:ينطلق فيها التفسير من بداية النص متبعا السطر تلو السطر في تراتبية قدرية)
- أنها لا تنسب للكاتب مقاصد قبلية سابقة على التحليل.
- انها ترفض الترديد"la paraphrase" بما هو ثرثرة على هامش النص.
- انها تستبعد إمكانية الفصل القسري بين شكل النص ومضمونه.
- انها لا تاسر نفسها وراء أحكام جمالية مسبقة.
وتعني المفاصل المقطعية الكبرى المشكلة لهيكل هذه القراءة وهي أربعة لحظات نوعية :
- لحظة ما قبل القراءة؛
- لحظة القراءة الاستكشافية؛
- لحظة القراءة المنظمة؛
- لحظة انفتاح القراءة؛
أ- لحظة ما قبل القراءة :
- وهي لحظة استحضار المعرف والمعطيات من طرف المتعلم دون أدنى اجتهاد، ويقتصر دور المدرس على تشخيص هذه المكتسبات ، وهي لحظة منهجية مهمة ينبغي استثمارها بيداغوجيا في إزاحة العوائق المعرفية التي تحول دون الاكتساب النوعي للمفاهيم التي ينبغي عليها صرح المراحل القرائية.
بالنسبة للمتعلم:
هي مرحلة جمع المعلومات اللازمة لفهم النص وتحليله، ثم استثمار هذه المعلومات في وضع فرضيات القراءة(الرصيد المعرفي)وهي بمثابة إعداد قبلي للنص)اكتشف النص/أتعرف الكاتب).
إن التمثلات الأولية للمتعلم تتحكم في تعامله مع المفاهيم المعرفية التي يقبل على تعلمها، وبذلك تعتبر هذه التمثلات عاملا مساعدا على تحديد وضعية الانطلاق بالنسبة لأي نشاط ديداكتيكي يتوخى اكساب المتعلمين معطيات معرفية بطرائق فعالة .
بالنسبة للمدرس:
- مرحلة تشخيص مكتسبات التلاميذ.
- المعارف المرتبطة بمحور النص.
- علاقة القيمة أو المحور المدروس بما يماثله داخل البرنامج أو خارجه.
- إقدار المتعلم على الربط بين رصيده المعرفي ومحتويات النص).
- رصد التفاعل بين الكاتب ومحيطه بما يخدم القيمة أو المحور قيد الدرس .
هدف لحظة ما قبل القراءة:
تسعى لحظة ما قبل القراءة إلى تحقيق هدفين متكاملين:
1 - الإعداد للقراءة المنهجية، باستدعاء موسوعة القارئ وحياته المعيشة وما يمتلك من معارف لها ارتباط وثيق بالنص المدروس.
2 - تمكين التلميذ من فحص وتقويم مكتسباته السابقة قبل الشروع في تلقي معارف جديدة.
الوسائل والتقنيات الديداكتيكية:
الوسائل والتقنيات الديداكتيكية الكفيلة بإثارة وتنشيط تمثلات التلاميذ ومعارفهم القبلية لتحقيق الهدفين السابقين:
1-تقنية استحضار التجربة:L'appel à l'expérience
(إثارة ونبش وتذكر المعطيات المعرفية المكتسبة سابقا والتي لها ارتباط بنص القراءة المدروس) بواسطة طرح مجموعة من الأسئلة البسيطة والمركزة
2-تقنية سيناريو التوقعات:Le scénario d'anticipation
(اعتماد القارئ على الخطاطات أو السيناريوهات التي يعرفها أو يختزنها في ذاكرته من اجل فهم النصوص انطلاقا من بعض المؤشرات النصية الملتقطة مما يؤدي إلى التعلم وتقليص مسافة التباعد بينه وبين النص المدروس)
-تقنية الكلمات-المفاتيح:Mots clés (اعتماد كلمات مفاتيح لإنتاج الأفكار/الانطلاق من كلمات ومفردات النص من اجل بناء شبكة معجمية ذات إطار فكري موحد،داخلية)
وهذه التقنيات لا يمكن تطبيقها دفعة واحدة لاعتبارات تخص الغلاف الزمني المحدود والمخصص لمرحلة ما قبل القراءة ولاعتبارات منهجية .
وتسعى هذه التقنيات إلى توفير الظروف الملاءمة لتلقي النصوص المدروسة من خلال استدعاء بعض العناصر
المعرفية التي بإمكانها تيسير فعل القراءة، ومنها :
- معرف ذات ارتباط بالظروف التاريخية والمجتمعية المشكلة لمرجعية النص.
- معارف لسانية تسهم في تذليل صعوبات التلاميذ اللغوية.
- معارف تهم جنس النص أو نوعه أو خصائصه البنائية التي تميزه.
- معارف سيميائية مرتبطة بالمؤشرات النصية المصاحبة (العنوان ، فضاء المقاطع والفقرات ، علامات الترقيم