الميتافيزيقا تحت معاول التحليل: التحليل عند رودلف كارناب:
مقتطفات في فلسفية
الفصل السابع
الميتافيزيقا تحت معاول التحليل: التحليل عند رودلف كارناب:
أهلاً بكم طلاب وطالبات في موقع النابض alnabth بمعلوماته الصحيحة نقدم لكم أفضل الأسئله بإجابتها الصحيحه كما نقدم لكم الأن أعزائي طلاب وطالبات العلم من من الدروس المقترحة والمتوقعة لهذا العام تحضير وتحليل وملخصات شرح وحل أسئلة الاختبارات والواجب المدرسي ونماذج الامتحان ومنهجية الاجابة وكما عودناكم أعزائي الطلاب والطالبات أن نقدم لكم إجابة السؤال القائل __الميتافيزيقا تحت معاول التحليل: التحليل عند رودلف كارناب:
_وتكون اجابتة الصحيحة
الميتافيزيقا تحت معاول التحليل: التحليل عند رودلف كارناب:
الفلسفة التي يبرأ منها «كارناب» هي الميتافيزيقا بالمعنى الذي يجعل الميتافيزيقا بحثًا في أشياء لا تقع في مجال الحِسِّ، مثل: «الشيء في ذاته» و«المُطلَق» و«المُثُل الأفلاطونية» و«العِلَّة الأولى للعالم» و«العدم» و«القِيَم الأخلاقية والجمالية» وما إلى ذلك.٢
غير أن «كارناب» إن تبرَّأ من الاشتغال بالفلسفة بهذا المعنى الميتافيزيقي، فلا ضَيْر عنده من قبول كلمة «الفلسفة» على شريطة أن تُفْهَم الكلمة بمعنى التحليلات المنطقية للعبارات اللغوية، «فكل مَن يشاركنا وجهة نظرنا المعادية للميتافيزيقا، يتبيَّن له أن جميع المشكلات الفلسفية بمعناها الحقيقي إنْ هي إلا تحليلات لتركيبات لغوية»،٣ ولمَّا كانت التركيبات اللغوية التي تُعنَى الفلسفة بتحليلها، هي في الأغلب ما تقوله العلوم المختلفة من قضايا، أمكن أن نقول عن الفلسفة إنها منطق العلوم، أي تحليل القضايا العلمية تحليلًا يُبرِز طريقة تركيبها وصورة بنائها ليتَّضح معناها.
فليست الفلسفة منافسة للعلوم في موضوعات بحثها، بل هي تخدم تلك العلوم بتوضيح قضاياها، ومعنى ذلك أنه إذا كان عمل العلوم هو أن تقول أقوالًا عِدَّة في وصف الأشياء الطبيعية على اختلافها، فعمل الفلسفة هو البحث في منطق تلك الأقوال العلمية لتَجْلِيَة غامضها، فعلم الحيوان — مثلًا — يبحث في الحيوانات نفسها من حيث خصائصها وعلاقاتها بعضها ببعض، وعلاقاتها بما ليس حيوانًا … إلخ، وأما الفلسفة في هذه الحالة فمهمتها تحليل العبارات التي قيلت في الحيوان،٤ ولقد رأى «وتجنشتين» في الفلسفة هذا الرَّأْي نفسه، إذ قال: إن «العمل الفلسفي هو في جوهره توضيحات، فليست مهمة الفلسفة أن تنتج لنا عددًا من القضايا [التي تصف الأشياء] بل مهمتها أن تجعل القضايا واضحة.»٥ وتعليقًا على قول «وتجنشتين» هذا، يقول «كارناب»: «إني أوافق وتجنشتين على أن منطق العلم (أي الفلسفة) ليست له جُمَل خاصة به، إذ ينصبُّ كلامه كله على طريقة تركيب الجمل التي قالها العلم، وإذن فمنطق العلم ( الفلسفة) لا تضيف إلى ميادين العلوم ميدانًا جديدًا.»٦
وهذه التفرقة بين العلم وفلسفة العلم، القائمة على أساس أن العلم قضاياه تصف الظواهر الطبيعية وصفًا مباشرًا، وفلسفة العلم قوامها البحث في قضايا العلم من حيث هي تعبيرات لغوية؛ أقول: إن هذه التفرقة بين العلم وفلسفة العلم هي التي أخذ بها الأستاذ «آير» إذ قال في فصل عَقَدَه لشرح فلسفة العلم ما يلي: «الكتاب العلمي يتألَّف في جوهره من عبارات، والكثرة الغالبة من هذه العبارات تتحدث عن أشياء … لكنك يغلب أن تجد فيه كذلك عبارات … [لا تصف أشياء] بل تُفسِّر طريقة استعمال ألفاظ معينة، أو تُعلِّق على العلاقة المنطقية القائمة بين عبارات أخرى واردة في الكتاب، كأن تُقرِّر عبارة ما بأن نظريتَين مختلفتَين متعارضتان أو غير متعارضتَين، أو أن مجموعة من العبارات تأتي لتشهد بصدق مجموعة أخرى، فهذه العبارات التي لا تشير إشارة مباشرة إلى مادة العلم الذي هو موضوع البحث، بل تشير إلى مُدرَكاته [الواردة في الجُمَل التي تصف الأشياء وصفًا مباشرًا]، أو تشير إلى عبارات أخرى يمكن القَوْل عنها بأنها هي فلسفة العلم.»٧
إذن فالمهمة التي تضطلع بها الفلسفة عند الوضعيين المنطقيين — ومن بينهم «كارناب» الذي نحدِّثك الآن عنه، هي التحليل؛ تحليل أيَّة عبارة مما يقوله الناس بصفة عامة، وتحليل العبارات العلمية بصفة خاصة، وفي رأيهم ألَّا شأن للفلسفة بالعالم وما فيه من أشياء؛ لأن ذلك من عمل العلماء، كل عالِم في المجال الذي اختص به وتخصَّص فيه، فكما يقول «جون وِزْدَم» في عبارة مختصرة يصف بها الفلسفة اليوم: «لأن تتفلسف معناه أن تُحلِّل.»
ولعل أبرز طابع يميِّز العمل الذي أداه «كارناب» في مجال التحليل هو اشتغاله بالسميوطيقا٩ — أو علم الرموز — فقد أنفق في ميدانه شطرًا كبيرًا من جهده، ووضع فيه المؤلَّفات الفنية، التي تحتاج دراستها إلى تخصُّص وانقطاع، إذ لم يَعُد أمر «الفلسفة» — باعتبارها تحليلًا من هذا الطراز الرمزي المُعقَّد الدقيق — صفحات تقرؤها وأنت مسترخٍ على كرسيك، تأخذ منها ما تشاء وتدع ما تشاء.
والسميوطيقا — أو علم الرموز — تنقسم ثلاثة أقسام، هي:
(١) البراجماطيقا،١٠ وهي تبحث في المتكلم نفسه باعتباره أداة الكلام.
(٢) السمانطيقا،١١ وهي البحث في مدلولات الألفاظ.
(٣) السنتاطيقا،١٢ وهي البحث في العبارات اللفظية نفسها من حيث تركيبها وتكوينها، بغضِّ النظر عن المتكلم وبغضِّ النظر أيضًا عمَّا تشير إليه الألفاظ من مدلولات.
وسنعرض لك الآن كل قسم من هذه الأقسام في كلمة موجزة تشرحه:
(١) البراجماطيقا
من أمثلة البحث البراجماطيقي في الرموز وطرائق استخدامها، التحليل الفسيولوجي للعمليات التي يؤدِّيها الجهاز العصبي والتي تؤدِّيها أعضاء الكلام كاللسان والأحبال الصوتية والحنجرة، ثم التحليل السيكولوجي للعلاقات التي تربط بين عملية الكلام — وهي ضرب من سلوك الإنسان — وبين سائر ضروب السلوك، ثم الدراسة السيكولوجية أيضًا للمفهومات كيف تختلف للَّفظ الواحد عند مختلف الأشخاص الذين يستخدمون ذلك اللفظ، ثم الدراسات البشرية والاجتماعية لاختلاف المجموعات البشرية كالأُمَم المختلفة والقبائل المختلفة والأعمار المختلفة والطبقات الاجتماعية المختلفة واختلاف الجنسَين: الرجال والنساء، وما إلى ذلك في عادات الكلام، إذ من الواضح أن طبائع هؤلاء في طرائق التعبير ليست سواء.
فالبراجماطيقا هي — كما ترى — البحث في الرموز اللغوية وهي ما تزال محصورة في الإنسان الذي يستخدمها، أعني البحث فيها وهي لا تزال صورة من صُوَر السلوك البشري، بغضِّ النظر عن مدلولات تلك الرموز، فنحن ها هنا نبحث في عادات بشرية وطبائع، كأننا نبحث — مثلًا — في طرائق الناس المختلفة في الأكل ولُبْس الثياب.
وأهم ما يهمنا نحن من البحث البراجماطيقي للُّغة، هو تعبيرها عن «عقائد» قائليها؛ لأنك إن قلت جملة لتصف بها أمرًا واقعًا، كانت العلاقة بين الجملة ومدلولها الخارجي علاقة سمانطيقية، أما إن قلتها لا لتصف شيئًا في الخارج، بل لتعبِّر عن اعتقاد معين لديك، فالعلاقة هنا بين الجملة وبين الاعتقاد الداخلي الذي جاءت الجملة لتعبِّر عنه، هي علاقة براجماطيقية؛ إذ هي عندئذٍ علاقة بين الجملة وبين حالة عقلية، أو مَيْل شخصي عند قائلها، والجملة الواحدة يقولها متكلمون مختلفون، قد تعبِّر عن حالات عقلية مختلفة مع أن مدلولها الخارجي واحد دائمًا؛ ذلك لأن شخصَين قد يقولان جملة معينة، حين يقصد أولهما إلى قول الصدق، على حين يقصد الآخر إلى قول الكذب، فعندئذٍ تكون الجملة بالنسبة إلى الحالة النفسية عند القائل الأول مختلفة عنها بالنسبة إلى الحالة النفسية عند القائل الثاني.١٣
(٢) السمانطيقا
كان أول ما اتجه إليه «كارناب» من ميادين البحث، هو الدراسة «السنتاطيقية المنطقية» وحدها، أعني الدراسة التي تُعْنَى بتحديد العلاقات التي تقوم بين الكلمة وسائر الكلمات التي تشترك معها في بناء الجملة الواحدة، إذ البحث «السنتاطيقي» ينصرف إلى البناء اللفظي للُّغة دون الالتفات إلى ما وراء هذه الألفاظ اللغوية من مدلولات خارج المتكلم أو داخله، وأما وصفنا للبحث السنتاطيقي الذي قام به «كارناب» في أول مراحله، بأنه كان «منطقيًّا» — إذ أسميناه بالسنتاطيقية المنطقية — فنقصد به إلى القول بأن «كارناب» لم يُعْنَ بالتركيب اللفظي للغة معينة بذاتها — كاللغة الإنجليزية أو الفرنسية مثلًا — بل حاول أن يبحث التركيب الرمزي العام، الذي تشترك فيه أيَّة لغة كائنة ما كانت، كأنما أراد بذلك أن يقول إن اللغة مهما تكن لا بد منطقيًّا أن تجيء عباراتها مُركَّبة على الصورة الفلانية والصورة الفلانية، لكي تصلح أداة للتفاهم.
لكن «كارناب» لم يلبث أن وسَّع ميدان البحث في اتجاهَين آخرَين، بحيث أصبحت اتجاهات بحثه ثلاثة، إذ راح يبحث في اللغة من حيث مدلولات الألفاظ والعبارات، ثم راح يبحثها كذلك من حيث علاقة العبارة بقائلها، وإذن فلم يَعُد بحثه مقصورًا على بحث العبارة اللغوية من حيث كيفية بنائها كما كانت الحال عند المرحلة الأولى من حياته العلمية، بل جاوز ذلك إلى مدلولات اللغة من جهة، وإلى ارتباطها بالمتكلم من جهة أخرى.
والأرجح أن «مورس»١٤ كان أول مَن دعا إلى توسيع نطاق البحث اللغوي المنطقي في هذَين الاتجاهَين الجديدَين، إذ يقول: إن «الرمز» يكون دائمًا ذا علاقات ثلاث:
(١) فهو مُتعلِّق أولًا بالشخص الذي يستخدمه ليرمز به إلى شيء ما.
(٢) وهو مُتعلِّق ثانيًا بالشيء الذي يُرمَز إليه.
(٣) وهو مُتعلِّق ثالثًا بالرموز الأخرى التي قد تشترك معه في بناء صيغة أو عبارة. وهذه العلاقات الثلاث يطابقها ميادين ثلاثة في البحث، هي على التوالي: (١) البراجماطيقا. (٢) السمانطيقا. (٣) السنتاطيقا.
وما اللغة إلا مَثَل من أمثلة الرموز، فالبحث فيها — إذن — لا بد أن يتناول هذه الميادين الثلاثة إذا أُريدَ له أن يكون وافيًا شاملًا.
يتبع في الأسفل